في خطوة كانت متوقعة، أعلنت مصر مساء الأحد 26 أبريل/نيسان الجاري، عن تقديمها لطلب مساعدة مالية من صندوق النقد لمواجهة التداعيات السلبية لأزمة كورونا، وستأخذ هذه المساعدة شكلين، الأول مساعدة من برنامج "أداة التمويل السريع"، والثاني مساعدة من برنامج "اتفاق الاستعداد الائتماني".
ويعالج برنامج "أداة التمويل السريع" الاحتياجات العاجلة لميزان المدفوعات، ودعم القطاعات المتضررة بشكل كبير، وكذلك الفئات المجتمعية الأكثر هشاشة، أما برنامج "اتفاق الاستعداد الائتماني" فيهدف لدعم السياسات الاقتصادية الكلية. والبرنامجان أعلن عنهما صندوق النقد الدولي لمساعدة الدول لمواجهة التداعيات السلبية لأزمة كورونا.
وكان صندوق النقد قد حدد حزمة مساعدته لمواجهة كورونا بنحو خمسين مليار دولار، منها عشرة مليارات دولار لمساعدة الدول الأشد فقرا، حيث يقدم لها الصندوق قروضه بسعر فائدة صفر، أما بقية الدول فستكون حزم قروضها وفق سعر الفائدة المعلن من قبل الصندوق.
وغير مرة صرح مسؤولون مصريون، بأن مواجهة مصر لتداعيات أزمة كورونا، وتقديمها حزم التحفيز المختلفة لقطاعات النشاط الاقتصادي، كانت بفضل برنامج الإصلاح الاقتصادي، وأن احتياطي النقد الذي بلغ نحو 45 مليار دولار بنهاية فبراير/شباط 2020، كان ثمرة لهذه الجهود.
وإن كان إعلان الحكومة المصرية أو تصريحات كريستالينا غورغييفا، مديرة صندوق النقد الدولي، لم يشيرا إلى مقدار المساعدات التي سيقدمها الصندوق لمصر، إلا أن أحد الخبراء، صرح لوكالة رويترز، بأن التمويل قد يكون بحدود من ثلاثة مليارات دولار إلى أربعة مليارات .
كما ذهب رأي آخر إلى أن هذا الدعم سوف يوجه لسداد عجز الموازنة، والذي يبلغ نحو 445 مليار جنيه (28.3 مليار دولار) لعام 2019/2020.
وجاء طلب مصر لدعم صندوق النقد الدولي، بعد تأثر مصادرها من النقد الأجنبي بشكل كبير، في قطاعات السياحة، وتراجع عوائد قناة السويس، وانخفاض حصيلة الصادرات النفطية، وانخفاض عوائد الصادرات السلعية بشكل عام، وكذلك تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وفقدان احتياطي النقد الأجنبي لخمسة مليارات دولار بنهاية مارس/آذار 2020، أي أن احتياطي النقد الأجنبي لمصر فقد حوالي 11% من رصيده في شهر واحد.
بعد أن انتهت مصر في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 بشكل كامل، من تطبيق برنامجها للإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي، الذي استمر لمدة ثلاث سنوات، والذي وُقّع في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ظل الاقتصاد المصري، كما هو يعيش على مصادر ريعية خارجية بشكل كبير، تمثل النسبة الكبيرة من موارده الدولارية.
كما ارتفعت المديونية العامة لمصر، ليصل دينها المحلي إلى قرابة 4.1 تريليونات جنيه مصري في سبتمبر/أيلول 2019، وكذلك تصاعد دينها العام الخارجي في التاريخ نفسه إلى 109 مليارات دولار.
وأيضا اتسعت شريحة الفقراء، جراء الإجراءات والسياسات الاقتصادية المتبعة في ظل أجندة صندوق النقد الدولي، ليكون نحو 60% من السكان في مصر، إما فقراء، أو معرضون للوقوع في الفقر.
كل ذلك قبل أن تدخل مصر في تداعيات أزمة كورونا، وبالتالي تصاعدت حينما جاءت التقلبات الاقتصادية الخارجية، حيث توقفت حركة السياحة تماما، وتأثرت الصناعات المصرية بسبب عدم وصول الواردات السلعية، من مستلزمات إنتاج وقطاع غيار، وزادت حدة الركود في الاقتصاد المصري، كنتيجة لإجراءات الحظر والحجر المنزلي.
دوامة الديون التي دخلتها مصر، بسبب استمرار سياساتها الاقتصادية بالتركيز على العوائد الريعية، وعدم الدخول في بناء قاعدة إنتاجية، جعلاها مضطرة بشكل رئيس للاعتماد على الديون، لتمويل احتياجاتها الأساسية .
ولذلك فإن مدفوعات الفوائد على الديون، هي المخصص الأكبر بين بنود الإنفاق بالموازنة العامة للدولة، وتتصاعد بشكل مستمر، لتصل في عام 2019/2020، لنحو 569 مليار جنيه مصري (36.2 مليار دولار)، مما يشل يد صانع السياسة المالية، تجاه التوسع في تمويل متطلبات التعليم والصحة والبنية الأساسية.
ومن المؤسف أن القروض التي ستحصل عليها مصر بموجب اتفاقها المنتظر مع صندوق النقد الدولي، تحت لافتة مواجهة التداعيات السلبية لكورونا، سوف يدفع بها لسداد عجز الموازنة، وكذلك سداد بعض التزامات القروض الخارجية التي سيحل أجلها خلال عام 2020.
لا بد أن تخرج مصر من دوامة الديون، ولن يكون ذلك إلا بترشيد الإنفاق العام، والتوقف عن تمويل مشروعات التشييد غير الضرورية، وكذلك الطرق والكباري، التي لا تحتاجها مصر الآن، وحتى الأجل المتوسط، وتوجيه كافة صور التمويل لمتطلبات الإنتاج، والدخول في مشروعات إنتاجية، يمكن من خلالها دفع تكلفة التمويل، وسداد ما يتم الحصول عليه من قروض.
والسوق المحلية، يمكنها أن تدفع بتمويل معتبر، يساعد في التوجه الإنتاجي، وبخاصة في ظل البيانات التي أعلنتها الحكومة، من أن بنكي الأهلي ومصر، استطاعا أن يجمعا مئة مليار جنيه مصري (6.3 مليارات دولار) في غضون شهور، من خلال الشهادات ذات معدل الفائدة 15%.
ولكن تكمن المشكلة في أن هذه الأموال التي جُمعت لصالح الحكومة، سيدفع بها في دوامة تمويل الإنفاق الجاري بالموازنة، وسداد أعباء القروض، فمن غير المقبول في مصر –بعد إعلان حكومتها نجاحها في برنامج الإصلاح الاقتصادي- أن يزداد عجزها في الميزان التجاري للغذاء، ليصل في عام 2017/2018 إلى نحو 7.5 مليارات دولار.
المفترض أن يكون لأي دولة، وليس مصر فقط، موقف مالي واضح ومحدد، وهو مبدأ أصيل في مبادئ المالية العامة، حيث إن من أهم خصائص الموازنة العامة للدولة، مبدأ وحدة الموازنة، أما أن يكون في مصر كل هذا العدد غير المحدود من الصناديق والحسابات الخاصة، ثم ينشئ النظام صندوق "تحيا مصر"، ليتم من خلاله جمع تبرعات لا حصر لها، وغير معلومة التوجيه لإنفاقها، فهو مدعاة للاعتراض على سياسة الاقتراض المورطة لمصر ولأجيالها المقبلة في التزامات لا قبل لهم بها.
ولم يتوقف الأمر على صندوق "تحيا مصر"، ولكن صندوق مصر السيادي كارثة أخرى، من حيث صلاحياته، وغياب الرقابة على أعماله، وبخاصة أن له الحق في الاستيلاء على جميع الأصول المالية للدولة، المستغلة منها وغير المستغلة.